Title of Your Page

 جواد الحطاب وفلوجته مستنسخة فاجعة كربلاء

كتابات - علي رشيد

نصفنا أطفال

 حفاة ..

 دون فانيلات

 والارقام - على عجل -

 كتبت فوق الظهور العارية

 ( .. كان خصومنا

   يرتدون الدروع الواقية ..)

مثل ( فريق شعبي )

يواجه ( البرازيل )

 شرط الحكم بالمدية دائرة

 اوقفنا فيها

 لم يشر ( الحكم ) الى ( تسلل ) السمتيات

 لم يشهر ( البطاقة الحمراء ) بوجه الدبابات

 اوقفنا في الدائرة - الانشوطة

واعلن بداية : الكابوس

لم نبصر على دكة احتياطنا

  حلزونا

 او

 حدأة

.. لم نبصر سوى : شواهد فوقها ارقام

  ( .. دكة احتياط

   ام .. جبانة موتى )

 ساحتهم : ثكنة

ساحتنا : ريح

احصينا مسراتهم بهز شباكنا

فمزقنا الشباك ..

 و ( بتصميم الفلاحين على سد الفيضان )

عضضنا الارض

.. لا ترفعوا عيونكم الى السماء

احداقنا التي تضيئ

النجوم الخمسون في العلم  الامريكي .. مطفأة

 فسد الهواء في الملعب

 هذه ليست كرات

هذي قنابل ليزرية

 ...............

...............

.............

 اضع راسي على ركبتي وطني وابكي

.............

...........

 السلام عليك سيدة الضمر الولودات

 .. من اجلك

   خبأنا الفجر

  بحنجرة الديك

 فيممي ظهرك الحائط

 عند منعطف التراويح

 يتمترس القناصة

          ( .. دقة اصابتهم في الليل

               لا تعني انهم زرقاء اليمامة

              فالمسدس اعور

             لكنه

            ليس ذا عين كريمة )

 فسد الهواء في الملعب

 فسد الهواء في الملعب

 مراقبو خط مرتشون

 وجمهور محنط على المدرجات

 ايتها الفضائيات : اوقفي التصوير

 قبل ان تطلق صافرة النهاية

 نريد ان نبول على شرف الحكام

 

 

المقطع أعلاه  نص للشاعر جواد الحطاب، نشره في كتابات يوم 17- نيسان 2005 .  الأطفال الحفاة من أصحاب الظهور العارية الذين يصفهم النص ، ليسوا أطفال  الناصرية ، أو البصرة ، أو السماوة ، و ليسوا أطفال بنجوين ، وحلبجة  ،أو أي من المدن المشمولة بالجوع والموت والدمار والمقابر الجماعية ، والحدث هنا ليس الانتفاضة التي فجرها العراقيون ضد الدكتاتور وزمانه البشع المعمد بالموت والحروب المشبوهة ، ولذلك فهي ليست صورة وصفية لأطفال كربلاء  ، وهم يخوضون انتفاضتهم ضد جيش دكتاتور العراق في بداية تسعينات القرن الماضي  ، وأعوانه من قادة ، وجنرالات ، وميليشيات للموت أطلقها الطاغية لتشيع الدمار في المدن المشمولة بالعقاب الرئاسي ، لأنها ليست من مدن( القائد ) ، وأناسها ليسوا من عشيرته وقبائله وتابعيه . يعرف الجميع أن المدن العراقية كانت مقسمة بحسب المفهوم السياسي للولاء ( الولاء للطاغية وحزب البعث ) ، إلى مدن غير مرغوب بها ، وهي المدن التي كثيرا ما كانت تشمل بالعقوبات التي تنزلها عليها السلطة الهمجية والتي كانت تقود البلاد بشعار ( كل الحب والولاء للقائد ) ، ومدن مدللة ، شكلت درعا حصينا للتهليل وحماية سياسات الطاغية الهوجاء وضد أي تذمر أو خروج عن طاعة.

  لذلك كانت مدن مثل تكريت والرمادي والفلوجة وبالمفهوم السياسي ، مدن محسوبة على السلطة  ، وفيها قاعدة  واسعة لحزب البعث وتنظيماته الأمنية والمخابراتية  ، وكان الطاغية يمنح العديد من الامتيازات لغالبية سكان هذه المدن ، ويستثمر العديد من  أساليب الكراهية فيها لتكوين ماكان يسمى بجيش القائد أو الحرس الجمهوري أو الحماية الخاصة  ، والتي كانت يده التي نفذت المذابح وأسالت الدمار أنهارا في المدن التي شملها عقاب قائدهم ، ولذلك لا غرابة حين غادر القتلة هذه المدن ، تركوا خلفهم نثارا من الأجساد وركاما من البؤس والعويل والفزع ، تركوا سماء منهكة بالحرائق ، و هواء ملوثا بعفونة الأجساد ، وتلالا من هضاب الدفن الجماعي ، والأدهى من ذلك تركوا خلفهم شعارا يلخص حالة الجنون هذه ، شعار خطه الجنود القتلة المدللون من أبناء مدن  ( الرئيس )على جدران بيوت الضحايا من أبناء المدن المسبية ... كان الشعار هو ( يسقط الشيعة الأنذال ) ، لأن الشيعة بعرف  ( القائد ) وحاشيته ليسوا من أبناء العراق ، وليس لهم الحق في بستانه التي تملّكها  بناسها وثمارها وقيامتها ( الرئيس ) وأبناؤه المشوهون وحاشيتهم من قتلة وماكرين ، ولذلك كانت دروع الطاغية ترفع العلم العراقي وهي تدك منازل العراقيين في هذه المدن .

 

 إذن الزمن في النص ليس زمن الطاغية ، والصورة الشعرية لا تؤرخ هنا لانتفاضة  الشعب العراقي ضد الدكتاتور في التسعينيات .

 

كذلك الأطفال في النص ، ليسوا أطفال الكوت وأربيل والنجف وكربلاء والبصرة والموصل  ، وهم يواجهون موتهم اليومي في زمن الاحتلال على يد عصابات الطاغية ومناصريه من أبناء المدن المدللة زمن الطاغية ، والذين توحدوا مع جيش اللادني  ( ابن لادن )  الوضيع من قتلة مشوهين ،  وأفاقين جهلة ،  وسماسرة دين يرفعون اسم الله ، وهو منهم براء لتبرير جرائمهم وسرقاتهم ، وهم ينكلون كل يوم بالعراقيين بمذابح بشعة ، يقودها هؤلاء المرضى بسياراتهم المفخخة وبسيوفهم  ، وخناجرهم ، والتي تحز رؤوس العراقيين كونهم لم يكونوا من أحباب القائد المهزوم ، جرذ الغفلة ، وتحت مسمى مراوغ  وكاذب ( المقاومة ) ، وكأن مقاومة هؤلاء لا تفلح إلا بحز رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ من زوار كربلاء ، والنجف ، ومن عمال الناصرية وأربيل والسليمانية ، ففي حين يقتل جندي  من جيش الاحتلال ، يفجر هؤلاء ( المقاومون ) أجسادهم العفنة كل يوم في أجساد مئات العراقيين ، حقدا ولؤما وكراهية بغيضة زرعها الوعي الطائفي المتحجر ، وبفتاوى من هيئات علماء الأبالسة .

 

إذن الصورة الشعرية هنا لاتؤرخ ، للأطفال الضحايا وموتهم المجاني على يد القتلة من ذئاب التفخيخ ، وفي زمن الاحتلال .

 

ولكن الزمن بالنص هو زمن الاحتلال حتما ، لأن أغلب أبناء الفلوجة ، من قادة وتجار ، ومنفذي أحكام الأعدام زمن الطاغية ، لم يتمكن أي نص شعري من وصفهم ضحايا ، خصوصا في زمن الرئيس المعتوه ، كونهم هم سادة الموقف في زمن الدكتاتور ، وليس لديهم أطفال حفاة بظهور عارية  ، بسبب السخاء الذي كان ينعم به عليهم ، فاجر الرئاسة ، ومدون عصر الخراب ، إذن هو زمن الاحتلال ، ولكن هل المشهدية الحزينة هنا ، والحالة الوصفية للأطفال العراة والحفاة تنطبق على أناس المكان المؤرخ بالنص وهو مدينة ( الفلوجة ) هنا ... قطعا لا ، خصوصا وأن الفلوجة ( كقاعدة سياسية وعسكرية ) هي المدينة التي تشكل معقلا حقيقيا لكل جيش القتلة من قاطعي الرؤوس ومنفذي الموت المفخخ على كل شبر من خارطة الوطن ، والفلوجة أوجدت جحافل من تنظيمات البعث المهزوم وشكلت بهم وبعلمائها ( ممن امتهنوا بناء البغض الطائفي زمن الطاغية ) ، وبغالبية بيوتها مأوى لشرير وضيع وقاتل بذيء ومفهرس سفالة قطع رؤوس العراقيين وحز رقابهم بسيوف الشيطان وهو الزرقاوي ، هذا الرجل الموشوم بتعاليم الدم  ، والقتل ، والكراهية ، والإبادة ضد العراقيين .

 والفلوجة ( عسكريا ) هي المكان الذي كان يصدر سيارات التفخيخ ضد كربلاء ، والنجف ، والناصرية ، والموصل ، وكل مدن العراق ، والمكان الذي كان يتدرب فيه القتلة الأشرار من وهابيين ، وسلفيين ، وقادة بعثيين ، ليكيلوا للعراق وينتقموا لرحيل رب نعمتهم ورجل السبي الأول للعراق ، قائدهم الملهم صدام الخراب والهزائم ، والفلوجة المكان الذي استدرج إليه القتلة شبابا فقراء باحثين عن لقمة عيش ، ونفذوا بهم حكم الأعدام  ( بتهمة انتمائهم لطائفة أخرى ) في ساحاتها التي تعج بالحياة  ، أو حرق الأجساد  في مساجد المدينة  وبإشراف وإيعاز من رجال الدين وشيوخ المدينة المتنفذين ، والفلوجة المكان الذي حزت به رؤوس الضحايا الأجانب ممن كانوا يعملون في المؤسسات الأنسانية ، والذين كانوا يساعدون أطفال العراق ، من أمثال مارغريت حسن وغيرهم ممن هم بعيدون عن صفة الاحتلال ، والفلوجة هي المكان الذي  تدار به صفقات الفدية ومبادلة المختطفين مقابل الملايين من الدولارات .

 

 بكل هذا الخراب الذي لعبته الفلوجة ( كقاعدة سياسية )  زمن الطاغية وزمن الأحتلال ، كيف يمكن لنص موارب أن يبني صورة فاجعة لهذة المدينة المسكونة بالكراهية ، والتي يتوافد عليها القتلة والمجرمون  كل يوم كقاعدة أمينة لتنفيذ معاصيهم الشريرة ، كيف يتخيل جواد الحطاب أن يوهم المتلقي وبذهنه كل هذا التاريخ المعلن ، بخلخلة المخيلة ، ليزودها بصورة شعرية بديلة تزورالواقع  ، وتستخدم اللغة كمساحيق تلون الوجوه وتغيير الملامح وتنجز المكر .

 

يتكئ جواد الحطاب في نصه عن الفلوجة والمعنون ب ( الفلوجة) على اللغة كأداة مخاتلة تخلط المعنى وتشوه الصورة ، فهو يستدرجنا لوصف حالة ، ولكن باستعارة وصفية لحالة أخرى ، أو بمعنى دقيق هو يتحدث عن القاتل ليس كقاتل بل يعيره ملامح ، ولسان ، وخصائص الضحية ، حتى تندغم الشهادة هنا بين مجاز التعاطف مع القاتل وهو يطل بمشهد الصورة الشعرية لجواد الحطاب وقد ألبسه قناع الضحية ، والضحية وهي هنا ليست بعيدة عن فضاء القاتل لأنها ضحيته هو . كذلك يستعير الحطاب دلالة المكان كحيز لبناء فعل الوصف ، ولكن للأمكنة أيضا تواريخها التي تتناص مع تاريخ ومجاز الحركة التي يسجلها ساكنوها ، بل تتحدد ملامح المكان بحدود الحدث وشخوصه ، ولذلك استعار الحطاب ملامح وخصائص المكان الكربلائي بكل عتامته وحزنه وتاريخه الموشم بالسبي وتضاريسه المنهكة بالقبور والشهداء ، وأهداه كفريسة لمكان وسمه المرضى من القتلة  بصحراويتهم الدموية ، وهمجيتهم الروحية وصلافتهم المدغمة بالجريمة .

 

  جواد الحطاب بنصه هذا ، يؤكد قدرته على أن يبقى لاعبا أساسيا في دغدغة رغبات الآخرين سواء في زمن الطاغية وحروبه المشبوهة ( يوميات فندق ابن الهيثم  ) رواية كتبها الحطاب كمراسل حربي ( للقادسية الأولى ) ، أو يومياته عن الحرب ( إنه الوطن .. إنه القلب ) منشورات دار الشؤون الثقافية ، وكذلك في زمن الاحتلال ( مراسل للعربية وطموحات أخرى) بمجاراة الموقف الرسمي والشعبي العربي الداعم لنهج الزرقاوي في ذبح العراقيين ، كرها لحريتهم وترحما على زمان كان المشعوذ فيه كريما معهم وعلى حساب شعبه ،  وهكذا تحولت الفلوجة هنا إلى كربلاء بمشهدية مزيفة لشاعر يصر ّ على أن يبقى وفيا للزمن الأول بتواريخة وقادته وأمكنته ، شاعر يمتلك من الجرأة ألا يتخلى عن زمن الكراهية وتزوير فعل الخطاب .

 

هامش : هنالك فرق بين الفلوجة كمدينة عراقية ، سكانها من العراقيين الشرفاء ، والفلوجة كقاعدة لشراذم المجرمين من قتلة ، ومروجي خديعة المقاومة من منتجي عصر الموت الجماعي للعراقيين .